12/11/2025 | Press release | Distributed by Public on 12/10/2025 23:34
واشنطن العاصمة، 11 ديسمبر/كانون الأول، 2025- أشار تقرير جديد للبنك الدولي إلى أن هناك مجموعة كبيرة ومتزايدة وواسعة الانتشار من المعايير الدولية - تغطي كل شيء من أول البطاقات الوصفية على المواد الغذائية إلى مواصفات شبكات الهاتف المحمول من الجيل الخامس 5G - هذه المعايير تعمل إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي بشكل مطرد. يتيح ذلك فوائد ضخمة للبلدان الغنية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي وضعت هذه المعايير، و في الوقت نفسه نجد العديد من البلدان النامية على الهامش دون أي دور فاعل في هذه العملية.
تشكل المعايير الحديثة اليوم جزءاً أساسياً من البنية التحتية الاقتصادية، مثلها مثل الطرق أو الموانئ في أهميتها لتحقيق الرخاء. جاء ذلك في تقرير عن التنمية في العالم 2025: معايير للتنمية. هذا التقرير يقدم أول تحليل شامل لمشهد المعايير العالمية. وذكر التقرير أن تبسيط عمليات نقل السلع والبضائع من خلال توحيد معايير حاويات الشحن عزز التجارة العالمية بشكل أكبر من جميع الاتفاقيات التجارية التي أُبرمت خلال الستين عاماً الماضية. ومع ذلك، فقد تحولت المعايير منذ بداية القرن إلى أدوات في الحروب التجارية، حيث تؤثر التدابير غير الجمركية، على سبيل المثال، مواصفات مبيدات الآفات أو متطلبات وضع علامات التعريف على سبيل المثال، الآن على 90% من التجارة العالمية، مقارنة بنحو 15% فقط في أواخر التسعينيات.
بدوره صرّح إندرميت جيل، كبير الخبراء الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي والنائب الأول لرئيس البنك لشؤون اقتصاديات التنمية قائلاً: "المعايير أصبحت اليوم محورية على الرغم من عدم الإشارة إليها بصورة كبيرة"، لافتاً إلى أنه "عندما يتم وضعها بشكل سليم، فإن تأثيرها يمر دون أن يُلاحظ: حيث تبحر السفينة بسلاسة عبر القناة، ويصمد المبنى أمام الزلزال، ويزن الكيلوغرام وزنه نفسه في كينيا كما هو في كندا، دون اهتمام يُذكر بما يترتب على ذلك من مكاسب. ولعل حاوية الشحن الموحدة كانت محركاً أقوى لتحفيز التجارة في السلع المصنعة مقارنة بجميع الصفقات والمعاملات التجارية"، ومشيراً إلى أنه "يمكن للمعايير الرقمية أن تحقق الأمر ذاته بالنسبة لتجارة الخدمات. فعندما تساهم البلدان في تكييف المعايير العالمية ومواءمتها وصياغتها، تصبح هذه المعايير أداة فعالة لتحقيق النمو والحد من الفقر". كما نوّه إلى أن: هذا التقرير هو أول تقييم لدور المعايير في التنمية الاقتصادية، ودعوة صريحة للبلدان النامية لجعلها عنصراً أساسياً في إستراتيجياتها الإنمائية."
تعليقا على ذلك، قال سيرجيو موخيكا، الأمين العام للمنظمة الدولية لتوحيد المقاييس/أيزو (ISO ): "إن قرار البنك الدولي بشأن تناول المعايير بصورة حصرية في تقرير عن التنمية في العالم لعام 2025 يبعث بإشارة قوية مفادها أن المعايير الدولية لم تعد بنية تحتية غير مرئية، بل مُمكُنات أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة للجميع"، مشيراً إلى "أن تعظيم الاستفادة من المعايير بصورة كاملة في عملية التنمية يعني ضمان مشاركة جميع البلدان في وضعها وتطبيقها"، ولافتاً إلى أن "هذا التقرير هو دعوة جاءت في الوقت المناسب للعمل بهدف تعزيز المشاركة والتعاون وتضافر الجهود في مجال وضع المعايير". جدير بالذكر أن أيزو هي أكبر هيئة في العالم لوضع المعايير، وقد قامت بعمل مسح شمل 173 هيئة وطنية للمعايير دعماً لأعمال جمع البيانات اللازمة لهذا التقرير.
ازداد الإقبال العالمي على وضع المعايير بشكل ملحوظ. وأشار التقرير إلى أن أكثر من نصف المعايير البالغ عددها 20 ألفاً، التي أصدرتها المنظمة الدولية للتوحيد القياسي خلال العقود السبعة الماضية، تم وضعها منذ عام 2000. وفي عام 2024 وحده، أصدرت الهيئات العالمية الرئيسية المعنية بوضع المعايير أكثر من 7 آلاف معيار. ولا تشارك العديد من البلدان النامية بصورة نشطة في صياغة المعايير، بسبب افتقارها غالباً إلى الموارد والخبرات اللازمة للمشاركة الفاعلة. ففي المتوسط، تشارك هذه البلدان في أقل من ثلث اللجان الفنية التي تحدد المعايير العالمية لدى المنظمة الدولية للتوحيد القياسي، بل اللافت أن مشاركتها تقل في هيئات أخرى. ويُعد دعم المشاركة بصورة أوسع وعلى نطاق إستراتيجي أكبر غاية في الأهمية لضمان ملاءمة المعايير مع الأوضاع والظروف العالمية مع مراعاة مختلف المتطلبات والسياقات الإنمائية.
جدير بالاعتبار أن تحويل المعايير إلى نقطة انطلاق لتحقيق التنمية يتطلب وضع إستراتيجية مدروسة. ويقترح التقرير إطاراً للتكيف والمواءمة والإصدار لخدمة البلدان في مراحل التنمية المختلفة. وفي ظل تراجع معدلات التنمية ، على البلدان تكييف المعايير الدولية لتتلاءم مع الواقع المحلي، بهدف تمكين الشركات من التعلم ودعم نمو الأسواق. وليس من الحكمة في شيء التقليد الأعمى للمعايير العالمية الأكثر صرامة، بل ينبغي أن تتناسب الطموحات المحلية مع الإمكانات والقدرات المحلية.
هذا ومع تنامي القدرات والإمكانات المحلية، تستطيع البلدان تحقيق المواءمة مع المعايير الدولية. ومن شأن ذلك أن يحد من ازدواجية الجهود، ويسهل دخول الأسواق، ويساعد الشركات على المنافسة خارجياً. وفي الوقت نفسه، يمكن لهذه البلدان أن تشارك في صياغة المعايير الدولية بشكل يضمن توافقها ومواءمتها مع الأولويات الوطنية. وعندما تزداد ثروة البلدان النامية، يتعين عليها أن تعمل على صياغة معايير جديدة أو تحديث المعايير الموجودة.
يعرض التقرير كيف تشكل اليابان مثالاً يحتذى به للبلدان التي تعتمد على المعايير في تسريع عجلة التنمية. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرةً، كان يُنظر إلى صادراتها الاستهلاكية على أنها ضعيفة الجودة وغير موثوقة. لكن اليابان انطلقت برؤية طموحة تركز على التحول إلى قاعدة صناعية تقدم جودة فائقة، حيث استمدت التجارب من الخارج وابتكرت ما يتجاوز هذه الأفكار. وقد حققت ذلك من خلال الجمعية اليابانية للمعايير والمواصفات القياسية واعتماد إدارة الجودة الشاملة بشكل واسع، مما جعلها نموذجاً عالمياً في الجودة.
في السياق ذاته قال خافيير جينيه، مدير تقرير عن التنمية في العالم لعام 2025 : "إن الدرس المستفاد من أكثر الاقتصادات نجاحاً هو أن المعايير ليست مجرد قواعد فنية، بل هي الأساس للابتكار والتنافسية العالمية. والبلدان التي تعتبر المعايير جزءاً من إستراتيجية التنمية لديها- وليست مسألة ثانوية على الهامش- هي التي نجحت في ارتقائها لسلم الرخاء."